تقدم 74 طيارا في الجيش التركي باستقالاتهم، أمس الاثنين، 25 \1\2014 في أعقاب تعديل قانوني يتعلق بهم لم تتم المصادقة عليه بعد، واعتراضاً على تعديل قانون الجيش التركي الخاص بمدة خدمة الطيارين، يعكس استمرار التوتر بين حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، والجيش.
وكانت تركيا قد اعترفت باستقالة 110 طيارًا من الجيش في أغسطس الماضي، وذلك على خلفية الاعتقالات التي تمت في حق قادة عسكريين بتهمة التخطيط للإطاحة بحكومة أردوغان.
ودخل الجيش التركي على خط المواجهة المشتعلة بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ومؤسسات الدولة، في اواخر ديسمبر الماضي بعد طلبه لإعادة محاكمة ضباطه، وأكدت مصادر أن الجيش التركي تقدم بمذكرة رسمية للمدعي العام بأنقرة لإعادة محاكمة ضباطه بعد إدانتهم في محاكمة سابقة، حيث تقدمت المؤسسة العسكرية رسميا في 27 ديسمبر الماضي بهذه الشكوى أمام مكتب مدعي انقرة بهدف الحصول على محاكمة جديدة ، وفي اطار هذه القضية المعروفة باسم "أرغينيكون" أصدرت محكمة سيليفيري في ضواحي إسطنبول في أغسطس الماضي أحكاما مشددة بالسجن ضد 275 متهما بينهم العديد من الضباط والصحافيين بعد اتهامهم بمحاولة تنفيذ انقلاب على حكومة رجب طيب أردوغان، بينهم الرئيس السابق لأركان الجيش التركي الجنرال ايلكر باشبوغ الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة.
وتأتي هذه الشكوى التي تقدم بها الجيش بالتزامن مع غرق حكومة أردوغان في فضيحة فساد حيث داهمت الشرطة التركية مكاتب ومنازل واعتقلت رجال أعمال كبارا مقربين من الحكومة وأبناء ثلاثة وزراء في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وجاء رد الحكومة بأن أقالت نائب قائد قوة الشرطة الوطنية وهو أكبر ضابط يتم إبعاده في اطار حركة تطهير في صفوف الشرطة التي ترى السلطات أنها متأثرة بقوة بآراء رجل دين يتهمه رئيس الوزراء بالتخطيط للسيطرة على مفاصل الدولة.
وأرسل حزب العدالة والتنمية الحاكم الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين بتركيا الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان مقترحات إلى البرلمان تهدف إلى منح حكومته مزيدا من الصلاحيات في تعيين القضاة وممثلي الادعاء.
ولم تعلن تفاصيل الاتهامات لكن تقارير صحفية تركية ذكرت نقلا عن وثائق النيابة العامة، أنها تتعلق بفساد في مشاريع عقارية وتجارة الذهب مع إيران. ووصف أردوغان التحقيقات التي تشكل أكبر تهديد لحكمه الممتد منذ 11 عاما بأنها "انقلاب قضائي" تدعمه قوى خارجية.
وفي كشف مثير يحمل بين طياته الكثير خاصة في ظل احتدام الأجواء المتوترة بين الجيش التركي وأردوغان، اعترفت وزارة الدفاع هناك بصحة التقارير التي تحدثت عن استقالات جماعية تقدم بها عدد كبير من الطيارين في سلاح الجو.
وقال وزير الدفاع التركي، عصمت يلماز، إن أكثر من 100 طيار تركوا الخدمة في غضون شهر واحد خلال عام 2013. وتابع "في المدة من كانون الثاني حتى شباط الماضيين خلال الفترة التي تعرف بفترة التقاعد والاستقالة، تقدم 110 ضابط طيار، منهم 63 من قائدة الطائرات القتالية وينتمون لقيادة سلاح الجو، بطلبات لمغادرة القوات المسلحة التركية من خلال الاستقالة".
الشارع التركي يراقب رهان القوة الجديد بين حكومة أردوغان، والجيش العلماني الذي أسقط أربع حكومات في السنوات الخمسون الماضية من عمر الجمهورية الأتاتوركية، ماضٍ يعتقد كثيرون أنه بات من الصعب تكراره.
لم ينجح حزب رجب طيب أردوغان "العدالة والتنمية" طوال 12 عامًا وهي فترة توليه الحكم في 2002 حتى وقتنا هذا، في تهدئة مخاوف الفئات الحذرة من برنامجه الإسلامي والمتصلة اتصالاً وثيقاً بالجذور العلمانية للدولة.
كما أن هذه السنوات لم تنجح في إحداث "كيمياء" بين هذا الحزب والجيش صاحب النفوذ الواسع في تركيا، والذي يحفل تاريخه بالصدامات مع التيارات الإسلامية التي تعددت أسماء أحزابها مع تعدد المعارك التي خاضتها، لكنها خرجت منها جميعاً منكفئة ومهزومة.
ويواجه أردوغان حاليًا أسوأ أزمة منذ وصول حزبه إلى السلطة عام 2002، وتلك الأزمة ستصب كثيرًا في مصلحة الجيش التركي الذي سيعود مرة أخرى للوجهة السياسية بعد أن ترتفع أسهمه لدى الشعب التركي خاصة أنه تعرض للكثير من الظلم على يد حزب العدالة والتنمية، بالإضافة إلى صعود قوى المعارضة الليبرالية المعروفة بأنها ضعيفة ومنقسمة.
ومن جهة أخرى، تعيش تركيا حاليًا حربا داخلية حقيقية بين أردوغان والجماعة الإسلامية التي يقودها فتح الله كولن، حيث أن مناصري أردوغان دائمي الاشتباك مع مؤيدي كولن وهو ما يقود البلاد إلى مصير مجهول، ما أدى إلى إصدار أردوغان قرارا بغلق المراكز التعليمية الخاصة التي تديرها مؤسسات تابعة للجماعة الإسلامية لذا فقد قام كولن بالرد على ذلك من خلال قيام الشرطة بفتح ملفات الفساد المتورط فيها رموز من حزب العدالة والتنمية الذي يقوده أردغان.
فوضع أردوغان نفسه في مأزق كبير عندما حاول خلال عام 2012 أن يبعد كل العناصر التي تنتمي إلى عبد الله جولن من الحكومة، وذلك بسبب عدم قدرته على تحمل مشاركة السلطة مع شخص آخر، بل وألقى اللوم على حلفاء جولن واتهمهم بأنهم يحاولون حاليا تأسيس دولة موازية، والتي قد تتشكل وتتكون بسهولة بعد سيطرة جولن على عناصر كبيرة جدا في الشرطة والقضاء.