نقلاً عن اليومى..
تقوم قواتنا المسلحة بأعمال بطولية فى شبة جزيرة سيناء، وتخوض حربا حقيقية ضد السلفيين الجهاديين التكفيريين، ومنذ 2011/7/29، حينما هاجمت تلك الجحافل الفاشية قسم ثان العريش، وأعلنت شبه الجزيرة إمارة إسلامية، وحتى منتصف سبتمبر 2013، اعتدت تلك الجماعات 214 مرة على كمائن للشرطة والقوات المسلحة، ادت إلى سقوط 218 ضحية بين شهيد وجريح، ولكن قواتنا المسلحة استطاعت تفكيك البؤر الإرهابية، وقبضت على رؤوس الإرهاب، ولكن من الخطأ التعامل مع مشكلة سيناء منذ ذلك التاريخ، حيث تمتد المشكلة إلى عمق تأسيس الدولة الحديثة، منذ تأسيس محمد على لمحافظة العريش 1831، وأول تمرد لأهالى سيناء 1834 وتجريدة جيش محمد على بقيادة ابنة إبراهيم باشا، وإخضاعهم، ومنذ ذلك التاريخ وحتى ثورة يوليو 1952 تمرد أهالى سيناء 14 مرة، وكانت أسباب التمرد الأساسية هى نفس أسباب تمردهم فيما بعد، أى تملك الأراضى والوظائف والمشاركة فى الثروة، ومنذ 1952 وحتى 1975 دفع أهالى سيناء %25 من فاتورة تضحيات المصريين فى الحروب مع إسرائيل من 1955 وحتى حرب التحرير 1973، مرورا 1956 وحرب 1967 وحرب الاستنزاف، ولم تلبِ الحكومات المصرية المتعاقبة مطالب أهالى سيناء، فى التنمية وتملك الأراضى، ولكن السياسات الخاطئة فى عصر الرئيس الأسبق مبارك، والقمع المفرط الذى تبناه وزير الداخلية الأسبق العادلى، وغياب التنمية، أدت إلى تفجر الأوضاع، وفى الخمس السنوات الأخيرة من عهد مبارك، شهدت سيناء 64 حادث تفجير، أو سطو مسلح، أوقطع طرق أدت إلى صدور 255 حكما غيابيا، أى بمعدل 5 حوادث شهريا، و300 قضية أمن دولة، إضافة إلى الإنكار والتلفيق من العادلى حتى وصلنا إلى حادث قسم ثان العريش، وللنمو السرطانى للتكفيريين فى سيناء.
قصة النمو السرطانى للقاعدة فى سيناء
منذ 2005 ضربت سيناء العديد من التفجيرات، كلها ترتبط بعناصر من الخارج، مثل تنظيم الوعد 2001، وحزب التحرير 2004، الذى ضم 3 بريطانيين!! وجماعة التوحيد والجهاد المسؤولة عن تفجيرات طابا 2004، وتفجيرات شرم الشيخ 2005 ودهب 2006، وكذا الطائفة المنصورة التى تم القبض على عناصرها فى 19/4/2006، والذى تلاه فى 14/7/2007 القبض على 35 شخصا تحت اسم تنظيم الجبهة العالمية لجهاد اليهود والنصارى، وفى 2007/7/15 أعلن مصدر أمنى مصرى أن هناك تهديدا من عناصر إرهابية لشن اعتداءات على بعض المرافق الحيوية أهمها مترو الأنفاق بالقاهرة، وفى 2007/5/27 أصدر محمد خليل الحكايمة على موقع الفجر للإعلام بيانا، وجه فيه نداء للمسلمين بنصرة فتح الإسلام فى أرض الكنانة، فكان أول تصريح رسمى للإعلان عن القاعدة فى مصر، ولم يتوقف الأمر على ذلك بل وفق دراسة أعدها المركز العربى للبحوث والدراسات، أعلن تنظيم القاعدة عن الخريطة والبنية التنظيمية فى مصر كالتالى:
اسم الفرع: قاعدة الجهاد فى أرض الكنانة، عدد الأعضاء 250، تاريخ التأسيس 12/5/2006، حجم التجهيزات العسكرية «مواد متفجرة، أسلحة نارية، قنابل وأحزمة ناسفة» وتقسم الوثيقة الأعضاء على المهام التالية: 5 إعلاميين، 190 كادرا حركيا للتجنيد وسط شباب القبائل السيناوية والغزاوية، 5 كوادر فكرية يعتبرون فقهاء التنظيم، أساليب الفرع للتجنيد: المواقع الجهادية على النت، والقنوات الإسلامية، وتؤكد الوثيقة ضرورة الإيعاز بتبنى مطالب البدو، وأن ذلك لن يتحقق إلا بالإمارة الإسلامية، واستغلال أى تمرد أواحتجاجات مطلبية وتحويلها إلى تمرد مسلح، «لاحظ التشابه والترابط بين جمعة الشريعة بميدان التحرير الشهيرة بجمعة قندهار 29/7/2001، وبين الهجوم على قسم ثان العريش وإعلان الإمارة الإسلامية» ومنذ الانفلات الأمنى بعد 52 يناير 2011، وإفراج المجلس العسكرى بقيادة المشير طنطاوى عن 350 من الجماعات السلفية والجهادية فى محاولة لتهدئة الأوضاع فى سيناء بعد انهيار المنظومة الأمنية، وبدء السلفيين بالإعلان عن نظام خاص بهم، وإخضاع سيناء لسطوتهم تحت قوة السلاح، واستعرضوا قوتهم فى مواكب مسلحة، رافعين الرايات السوداء وشعارات تنظيم القاعدة، وأفاد شهود عيان بأنهم كانوا يجرون التدريبات العسكرية بأسلحة متطورة بشرق العريش ومنطقة الجورة، وشراء سلاح ويذكر د.عبدالرحيم على مدير المركز العربى للدراسات، أن جيش الإسلام المرتبط بإيران وحماس والذى يضم عناصر مصرية مثل خلف مصطفى وغيره ممن تحالفوا مع جيش الإسلام ثم أسسوا تنظيم التوحيد والجهاد، الابن الشرعى لجيش الإسلام الفلسطينى عام 2002 فى شمال سيناء ويقوده د.خالد مساعد.
فتش عن الحركة السلفية
يتواكب مع ذلك إعلان الحركة السلفية «غير الجهادية» فى 6أغسطس 2011تشكيل لجان للتشريع والفتوى وبسط سيطرتها على منطقة الشيخ زويد والعريش ورفح، بـ6 آلاف مسلح تحت حجة حماية الأمن لحين عودة الشرطة، واعتبرت الحركة أن مساندة حركة حماس واجب شرعى، وأكد على ذلك اللواء المحافظ السيد عبدالوهاب المبروك لـ«المصرى اليوم» فى 11 أغسطس بالقول: «إنه فى ظل الغياب الأمنى بمنطقتى الشيخ زويد ورفح شكلت مجموعة من السلفيين مجلس حكماء مكونا من 3لجان للتشريع والفتاوى وفض المنازعات لحماية المنطقة»، وأضاف «نحن كسلطة تنفيذية نعمل وفقا للقانون ولا يمكننا الوصول للشيخ زويد ورفح، لذلك نترك الفرصة للمتطوعين للحماية» يقصد الحركة السلفية!!
وهكذا يبدو جليا منذ 2011/7/29 أن الحركة السلفية لها جناحان: جناح سياسى مكون من حزب النور ومشايخه، وجناح مسلح فى سيناء، ويمكن التأكد من ذلك بعديد من الدلائل مثل ارتباط جمعة الشريعة «قندهار» بالهجوم على قسم ثان العريش، ودور عماد عبدالغفور فى المفاوضات مع السلفيين التكفيريين، ثم دور صفوت حجازى، واستكمال الحلقة بوصول مرسى للحكم، والإفراج عن الإرهابيين، وصفقة الشاطر مع القاعدة فى سيناء. ورصدت أجهزة المخابرات الإسرائيلية الموساد أكثر من مكالمة بين مرسى وعناصر مرتبطة بالقاعدة وفق ما نشر فى موقع ديبكا الإسرائيلى، وكذلك رصدت أجهزة الأمن زيارات صفوت حجازى وعلاقته بإرهابيين، كل ذلك يؤكد على أن الإرهاب فى عصر مرسى تحول إلى سياسة دولة.. وهكذا شرعنت إدارة مرسى الإرهاب من جهة واقتطعت جزءا من شبه الجزيرة لحركة حماس.
بيئة قبلية محايدة
الخطر الأكبر أن تحالف الإخوان مع حماس ودعمهم للقاعدة قد حول البيئة السيناوية القبلية إلى أن أصبحت محايدة، وعلى رأى أحد كبار المشايخ «فخار يكسر بعضه»، يقصد صراع الدولة حينذاك مع الإرهاب، لأن تنظيمات الإرهاب والقاعدة جندت عدة آلاف من أبناء القبائل السيناوية، وكان موسى أبوفريج أحد كبار مشايخ رفح قد صرح فى 11/أغسطس/2011 بأنهم لن يسمحوا لأى تنظيمات إرهابية بالعبث بأمن مصر، وأضاف «أن عدد أبناء القبائل فى التنظيمات لا يزيدون على 300 شخص، ومعظمهم (مشموسين)، أى مطرودون من القبائل ويستحل دمهم»، ولكن بعد شهرين عقدت القبائل مؤتمرا لنصرة الدولة المصرية، وأثناء عودة الشيخ محمد المنيعى وابنه تم اغتيالهما، وبعدها وصل عدد من تم اغتيالهم من المشايخ إلى ثمانية قتلى، إضافة إلى التطهير العرقى، وتهجير أقباط رفح وحرق كنيسة مار جرجس، وقتل الكاهن مينا عبود وذبح ثلاثة أقباط آخرين، ورغم أن القوات المسلحة قامت بعمليتين فى عصر مرسى «نسر 1 ونسر2» فإن السياسة خذلت السلاح، وهكذا قام الإخوان بتمكين الإرهاب فى سيناء، وتحييد القبائل.
مطالب المواطنين المصريين البدو
يقع أهالى سيناء بين مطرقة السلفيين التكفيريين «القاعدة» من جهة، وبين سندان تخاذل الدولة عن التنمية من جهة أخرى، منذ تأسيس محمد على لمحافظة العريش 1831 وحتى الآن يفتقد أهالى سيناء لحق المساواة مع باقى المصريين، سواء فى الحقوق أو الثروات، كان أول صدام بسبب رغبتهم فى الاستفادة من قوافل الحج والمحمل، وصدق أو لا تصدق كان الصدام مع أبناء السواركة والترابين فى رفح وما يسمى بمحافظة شمال سيناء الآن، ودشنت تجريدة إبراهيم باشا أول طريق الدماء، ومنذ عام 1985وتحرير كامل سيناء وبداية التنمية، حرم أبناء سيناء من حق تملك الأراضى، ووفق الإحصائيات الرسمية %85 من الوظائف فى شبه الجزيرة لغير أبنائها، وحتى ثورة 25 يناير كان أبناء سيناء محرومين من دخول الكليات العسكرية، وبعيدا عن الإرهابيين فإن هناك أحكاما غيابية وحضورية يشكك فى صحتها أهالى سيناء، ويطالبون بالإفراج عن المتهمين فيها وإعادة محاكمتهم أسوة بما حدث مع الإرهابيين، ناهيك عن عدم التنمية.
أما المسكوت عنه فى المطالب فهو السماح للسلفيين وتنظيم أهل السنة والجماعة بالمحاكم الشرعية، وعدم السماح للمواطنين المصريين البدو بالمحاكم العرفية.. والتى ترقى لأن تكون عقيدة سيناوية، وتنقسم درجات التقاضى عند البدو إلى ثلاث درجات، مثل الابتدائى والاستئناف والنقض، وتعترف الحكومة المصرية بالقضاء العرفى القبلى منذ القرن التاسع عشر، كمرحلة أولى لفض المنازعات، ومنذ 1853 عرف البدو التقاضى أمام المحاكم المصرية إذا فشلت محاولات التقاضى العرفى، ولا تستفيد الحكومة المصرية من هذا التناقض ما بين السلفية الجهادية وبدو سيناء فى هذه الخصوصية!!
القبلية والسلفية الجهادية والحنين للماضى:
الخطير فى القضية هو أن شباب البدو فيما سبق، كان نموذج البطل هو من يحارب إسرائيل، وإلا النموذج هو من يحارب الدولة!! هناك ضرورة لدراسة النخبة الجديدة فى سيناء، يبلغ عدد المصريين من القبائل العربية كما يقدرهم الشيخ سليمان أبوحسين - شيخ مشايخ السماعنة بشمال سيناء - بـ17 مليونا، تتركز فى سيناء وقنا والبحر الأحمر ومطروح والساحل الشمالى، ومن يعود بالذاكرة إلى إبريل 2011 وقطع خط السكك الحديدية، اعتراضا على تعيين المحافظ القبطى، من قبل بعض القبائل القنائية، وسط هتافاتهم «إسلامية إسلامية» ورفع إعلام السعودية، وبايعوا أميرا منهم على إمارة قنا الإسلامية، واستخفت النخبة المركزية بالأمر، حتى تزامن ذلك مع جمعة قندهار بميدان التحرير، ثم الهجوم على قسم ثان العريش مساء تلك الجمعة، نفس الشعارات والإعلام السوداء وأعلام السعودية، ولم يتوقف أحد بالتحليل والربط بين هذه الظواهر، وجدل العلاقة بين السلفيين والبدو، وكيف أدرك تنظيم القاعدة والتكفيريون هذا الربط وقاموا باستغلال هذه البيئة التى تعانى من الحرمان، فى التجنيد، ودفعهم إلى ممارسة الاحتجاج المسلح ضد الدولة، لشعورهم بالاغتراب تجاه الوطن المصرى، إلى حد رفع إعلام القاعدة أو السعودية، والحنين للماضى والرغبة فى إمارة إسلامية، وهكذا تجتذب التنظيمات الجهادية السلفية أبناء فقراء القبائل الضعيفة الذين يشعرون بالغبن والتهميش، والبحث عن المكانة عن طريق الانتماء إلى جماعات دينية سياسية، تعوضهم مكانتهم المفقودة فى السلم الطبقى القبلى، أو عدم وجود مكانة لهم فى الوظائف الحكومية ترفع من شأنهم.
هكذا نشأت العلاقة بين تلك التنظيمات والشباب البدوى المهمش ومن ثم يمثل العلم الأسود مدلولا ثقافيا أكثر منه سياسيا، فهو علم الهوية السلفية البدائية وحلم الماضى السحيق فى مواجهة علم الوطن الذى لا يظللهم، إنها عودة للبداوة الأولى فى مواجهة العولمة والحداثة التى لا يستطيعون اللحاق بها، ويلاحظ أن التصحر الثقافى والفكرى يتمركز فى قلب النفوذ السلفى فى سيناء والساحل الشمالى، أو قلب السكة بالإسكندرية، وكرداسة وناهيا ودلجا ودهشور، حيث يتركز فقراء البدو.
أنهى بمقولة للواء الدكتور عادل سليمان: «نحن نعامل أهالى سيناء على أنهم سكان محليون فى زمن الحرب»، بمعنى غير موثوق فيهم!!
لابد من إعادة النظر فى قضية سيناء لأن الأمر تخطى الحل العسكرى وحتى ما تطلق من صيحات حول التنمية، لأن كل تلك الحلول كانت تناسب سيناء ما قبل ظهور النخب الجديدة، نحن نحتاج لمؤتمر علمى لاسترداد جزء من جسد الوطن، قبل أن ينفصل هذا الجزء!!