نقلاً عن اليومى..
ليست أزمتنا الحقيقية ونحن نبنى الوطن، إيجاد مادة شارحة لتفسير الشريعة، أو قراءة كتب الفقه، للبحث عن كيفية تطبيق الحدود، الحقيقة هى أننا نقف نفس الموقف الذى وقفته الولايات المتحدة الأمريكية، عقب اندلاع ثورتها الكبرى، ضد الاستعمار البريطانى، الذى سيطر على 13 مستعمرة أمريكية، فتحررت هذه المستعمرات، لتصبح نواة أكبر دولة فيما بعد مرور قرنين، ولكنها قبل ذلك اعتمدت الحقوق الأساسية فى إعلان الاستقلال الذى كتبه توماس جيفرسون، الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأمريكية، عام 1774، فى الرابع من يوليو، والذى صار عيد ميلاد أمريكا، ويوما للاحتفال بتحررها الوطنى، والمقدمة التى تأسست عليها فكرة حقوق الإنسان، بعدما اشتمل هذا الإعلان على عبارة بليغة وشهيرة تقول: «إن جميع البشر خلقوا متساوين، ووهبوا من خالقهم حقوقًا غير قابلة للتصرف، من بين هذه الحقوق حق الحياة والحرية والسعى وراء السعادة».
لم يعد للمصريين المزيد من الطاقة والصبر لتقبل المزيد والمزيد من العثرات، والأخطاء والهفوات، والمواءمات السياسية، هؤلاء السادة الجالسون فى القاعات المكيفة، أسفل قبة مجلس الشورى، يتباحثون حول المادة المفسرة للشريعة، أو المادة المفسرة لهوية الدولة، يجب أن يدركوا جميعًا، أنهم بينما يتحدثون بكل أريحية وصبر وراحة بال، عن هذه المواد، بينما يفعلون ذلك، هناك ملايين المواطنين فى الشوارع مهمومون فعلا بطعامهم، بارتفاع أسعار الطماطم والبطاطس، بانحسار فرص تناولهم اللحوم الشهر المقبل، مقارنة بالشهر الماضى، هناك مواطنون مهمومون بمصاريف المدارس، وانتقال أبنائهم فى أمان فى رحلة يومية إلى فصول دراستهم، هناك آباء يخشون حاجة الأبناء لدروس خصوصية، وآخرون يدبرون الجمعيات، والقروض، لسد هذه المطالب التى تكشر عن أنيابها بلا رحمة.
بينما يتحدث «الخمسون» فى أريحية وصبر و«طولة بال» عن نظام الانتخابات، والأصلح أن يتم تطبيقه كى تتفادى مصر عدم دستورية الانتخابات القادمة، هناك مواطنون فى الشوارع قرروا ألا يلعبوا لعبة الانتخابات مرة أخرى، وألا يقفوا فى الطوابير، لأن لعبة الديمقراطية، أثبتت أنها جلبت نظامًا استبداديًا إلى الحكم، كاد أن يشوه هوية الدولة، وفشل فى حماية مقدراتهم وتلبية أبسط احتياجاتهم فى حياة كريمة، دون أسعار مرتفعة، ودون شارع منفلت أمنيا ملىء بالمواجهات السياسية التى تتخللها أعمال شغب للبلطجية ومرتزقة حماية الشرعية المزعومة.
ليس من المحتمل فى القريب العاجل، أن يقف المصريون طوابير طويلة مرة أخرى، على غرار ما حدث فى عهد المجلس العسكرى، ليأتى نظام آخر، يختبر نفسه وقدرته على الحكم على المصريين، ليس من المحتمل أن يمتد صبر المصريين كما تمتد وقفتهم فى الطوابير، بعد ثلاث سنوات من المعاناة، احتملوا خلالها إسقاط مبارك، أملا فى حياة كريمة، تبددت بعد مجىء نظام سلطوى مستبد إلى الحكم، فخرجوا مرة أخرى ليزيحوه من المشهد، فى دلالة على نفاد الصبر.
الخمسون الجالسون فى القاعات المكيفة، لديهم مهمة محكمة، يجب التركيز عليها، هى تنحية كل الأفكار القديمة، والعمل بنظرية جديدة، ومبتكرة، نظرية «تحقيق السعادة للمصريين»، إسعاد المواطنين، لا يكون عبر حماية مطالب الأحزاب بتحقيق مطالبهم، ولن يكون بالبحث فى كتب الشريعة، فى تفسيرات لتطبيق الحدود، الأفكار القديمة الجامدة، التى يعيد الخمسون العمل عليها، كأنهم لم يتعلموا من «المائة» ستقود لنفس الطريق، ما لم يضعوا نصب أعينهم، أن المصريين لا يبحثون إلا عن ثلاثة حقوق: «الحق فى العدالة، والحرية، والسعادة».