كان الطريق إلى 30 يونيو صاخبا، معقدا بكثير من التفاصيل والتشابكات فى الأحداث، لكن الجميع وضعوا نصب أعينهم هدفا واحدا فقط يرفعون شعارا وحيدا وهو «إسقاط نظام الإخوان»، وإسقاط حكم المرشد، لذا فلم يكن غريبا على التيارات السياسية المتباينة فى توجهاتها ومواقفها أن تتفق لأول مرة على إسقاط نظام حكم المرشد، حتى خرجت حملة تمرد للنور والتى استطاعت خلال أقل من عام أن تزلزل الأرض من تحت أقدام الجماعة وحكومتها، وأن تنهى مشروعا ظل الإخوان يعملون عليه خلال ما يزيد على ثمانية عقود من العمل تحت الأرض.
وكان ضروريا أن يكون هناك رصد ومتابعة دقيقتان للأشهر التى نشأت فيها حملة «تمرد» وكيف استطاعت الحملة أن تجمع كل ملايين الاستثمارات فى أقل من ثلاثة أشهر فقط لإسقاط وعزل محمد مرسي، وخروج ملايين من الجماهير المصرية بهذا العدد الضخم، ربما لأول مرة فى تاريخ مصر، يهتفون جميعا بإسقاط حكم المرشد.
من هنا تأتى أهمية هذا الكتاب الصادر عن دار المحروسة للنشر بعنوان « تمرد والطريق إلى 30 يونيو» للكاتب الصحفى إبراهيم جاد، الذى يحاول خلاله أن يتتبع مراحل تأسيس الحملة خلال عام حتى إسقاط النظام فى ستة فصول، سعيا إلى الإجابة عن كثير من التساؤلات التى تعلقت بالحملة، سواء حول تمويل الحملة أو ما تردد ونسب لكثيرين بأنها صنيعة جهاز المخابرات، وهل كان هناك دور لحمدين صباحى مؤسس التيار الشعبى فى قيادة تمرد من الباطن، على الرغم من رفضه فى بداية الأمر التوقيع على استمارة تمرد، ومن هو الشاب السورى الذى اقترح على أعضاء حملة تمرد فى جلسة بوسط البلد أن تكون حملتهم باسم تمرد.
وقبل أن يتطرق مؤلف الكتاب لأى من الأمور التى تتعلق بالحملة أو صراعاتها ونشأتها، رأى أنه لا بد من الإطلالة على عام كامل من حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، بداية من إلقاء أول خطاب له فى ميدان التحرير فى 29 يونيو 2012، مرورا بالأوضاع الاقتصادية للبلاد، وتحول خطابات محمد مرسي لمادة شديدة السخرية فى أحد البرامج الساخرة، أما الأزمة الأكبر فكانت فى صدام الإخوان ومحمد مرسي بمؤسستى الجيش والقضاء.
أما تمرد فقد كانت نواة تتشكل داخل الجناح الشبابى لحركة كفاية، من مجموعة من الشباب الناصريين رأوا أن عواجيز الحركة استأثروا بكل شىء، فأرادوا أن يخرجوا للنور عبر مبادرة جيل يستحق القيادة، ثم تبلورت الفكرة حتى أصبح اسمها تمرد، اقترح شاب سورى ناصرى أن تكون تمرد هى اسم الحملة، وهو نفس اسم مجلة إلكترونية سورية تصدر فى سوريا باسم الثورة السورية، لكن كفاية أصدرت بيانا تتنصل فيه من حملة تمرد، أو أن تكون هناك داخل كفاية ما يطلق عليه تمرد.
وانطلقت تمرد فى أول تجربة حقيقية لها خارج المحافظات، وبالتحديد فى بورسعيد، حيث كانت المحافظة جاهزة تماما لأى فعل ثورى هدفه إسقاط نظام محمد مرسي، وكانت النتيجة مدهشة لأعضاء حملة تمرد، وأدرك الإعلام المصرى بعدها أن هناك نواة لمعارضة شبابية قوية ضد حكم الجماعة التى عانى الإعلام منها أيضا عبر حصار مدينة الإنتاج الإعلامى واستهداف بعض الإعلاميين والقنوات، وتلاقت الأفكار والرؤى، حتى وصلت تمرد لأقاصى القرى والنجوع لإسقاط حكم مرسي.
فى المقابل كان هناك من يرقب المشهد عن بعد، وهم رجال أعمال كثيرين كانوا يدركون أن مصلحتهم أصبحت مع تيار شبابى قوى، يقفون وراءه ويدعمونه، حتى ظهر كثير من الخناقات فى شوارع وسط البلد بين بعض أعضاء الحملة حول قضية التمويل، وسفر بعض أعضاء تمرد فى زيارة لشرم الشيخ بشكل سرى، وحصل بعضهم على تمويل، فضلا عن تردد أسماء بعينها وبقوة وقفت بجوار تمرد منها أحمد أبو هشيمة على سبيل المثال.
ووسط كل هذا طلب حمدين صباحى مؤسس التيار الشعبى من أعضاء حملة تمرد الذين التقوا به أن يطرحوا اسم الدكتور محمد البرادعى كى يتولى رئاسة الحكومة، وقال لهم إن هناك بعض الوجوه التى يجب أن تحترق فى الشارع، وكان يقصد الدكتور البرادعى، وقد تندهش حين تعلم أن الدكتور البرادعى حتى هذه اللحظة لم يوقع على استمارة تمرد، وشعر أعضاء تمرد أنها كانت صفعة قوية من البرادعى لهم، وردوا الصفعة حين هاجموه بضراوة عقب استقالته من منصبه كنائب للرئيس.
ويبقى السؤال الأهم الذى يطرحه الكتاب: هل كانت هناك علاقة ما بين المخابرات وتمرد؟ قد تكون هناك علاقة غير مباشرة رصدها المؤلف على لسان بعض أعضاء الحملة، بين تمرد وبين المخابرات، لكن الأكيد أن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل لعب دورا مهما ومثيرا فى تقريب المساحات والمسافات بين تمرد وبين المؤسسة العسكرية