الكاتب : د محمد عبد الكريم
التنمر من السلوكيات السيئة التي حرمها الاسلام:
إن الكلمة السيئة تؤذي النفس ولو جملتها برداء المزاح، والكلمة الطيبة تسر النفس ولو كانت على سبيل المجاملة، والتنمر هو شكل من أشكال الإساءة والإيذاء موجه من قبل فرد أو مجموعة نحو فرد أو مجموعة تكون أضعف (في الغالب جسديا)، وهو من الأفعال المتكررة على مر الزمن. فالتنمر عادة يكون بأشكال مختلفة؛ قد يكون لفظيا أو جسديا أو حتى بالإيماءات.
حكم التنمر في الإسلام: إنَّ حكم التنمر في الاسلام هو مًحرَّم وغير جائز، فقد رفع دين الإسلام من شأن الإنسان وبيَّن حقوقه، وأوجب على المُسلم أن يحترم هذه الحقوق فلا يتعدَّى على غيره بأي شكل من الأشكال، وإنَّ التنمر بأشكاله وصوره المتعددة هو إساءة للآخر تُنقص من قدره ومكانته، وتنتهك حقوقه وخصوصيته، وهي أمور مُحرَّمة في الإسلام ومُنكرة، وعلى من أقدم على فعل مثل هذه الأمور أن يتوجه إلى الله تعالى بالتوبة ويُقلع عنها لما لذلك من الإثم والذنب العظيمين.
الأدلة على حرمة التنمر: قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”
وقوله تعالى: “الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”
وقال الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: “لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هاهُنا ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ”.
نصوص من أقوال الفقهاء عن حرمة التنمر:
قال إبراهيم النخعي- رحمه اللّه: إني لأرى الشيئ أكرهه فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله."
قال ابن عثيمين- رحمه اللّه: لا يجوز لك أن تعيب أخاك بصفة خَلْقية أو صفة خُلُقية، أما الصفة الخَلْقية التي تعود إلى الخلقة فإن عيبك إياه في الحقيقة عيب لخالقه - عز وجل - فالذي خلق الإنسان هو الله عز وجل ، والذي جعله على هذه الصفة هو الله عز وجل، والإنسان لا يمكن أن يكمل خِلقته فيكون الطويل قصيراً، أو القصير طويلاً، أو القبيح جميلاً، أو الجميل قبيحاً ؟
فأنت إذا لمزت إنساناً وعبته في خلقته فقد عبت الخالق في الواقع ، ولهذا لو وجدنا جداراً مبنيًّا مائلاً وعِبْنَا الجدار فعيبنا لباني الجدار ، إذن إذا عِبْتَ إنساناً في خلقته فكأنما عِبْتَ الخالق - عز وجل - فالمسألة خطيرة ، أما عيبه بالخُلُق بأن يكون هذا الرجل سريع الغضب ، شديد الانتقام ، بذيء اللسان ، فلا تُعِبْهُ ؛ لأنه ربما إذا عِبْتَهُ ابتلاك الله بنفس العَيْبِ، ولهذا جاء في الأثر : « لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك، لكن إذا وجدت فيه سوء خُلُق فالواجب النصيحة، أن تتصل به إن كان يمكن الاتصال به ، وتبين له ما كان به من عيب، أو أن تكتب له كتاباً: رسالة باسمك أو باسم ناصحٍ مثلاً.
قال ابن جرير- رحمه الله: إنَّ الله عمَّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السخرية فلا يحلُّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره ولا لذنب ركبه ولا لغير ذلك."
قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله: ينهى تعالى عن السخرية بالناس وهو احتقارهم والإستهزاء بهم فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدراً عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له."
قَــال الشَّـيخ ابن عُثيمين- رحِمهُ الله-: إن الإنسان إذا عير أخاهُ في شيءٍ ربما يَرحم الله هذا المعير ويشفىٰ من هذا الشيء ويزول عنه، ثم يبتلىٰ به هذا الذي عيره، وهذا يقع كثيرًا، فإياك وتعيير المسلمين والشماتة فيهم فربما يرتفع عنهم ما شمتهم به ويحل فيك."
لذلك لمّا ركب ابن سيرين الدّين وحبس به قال: إني أعرف الذنب الذي أصابني بهذا عيّرتُ رجلاَ منذُ أربعين سنة فقلت له: يا مفلس قال: عَيَّرْتُ رَجُلاً بِالْإِفْلَاسِ فَأَفْلَسْتُ."
قال محمد بن سيرين- رحمه الله: « إنَّ أكثر الناس خطايا أكثرهم ذكراً لخطايا الناس»*
قال ابن القيم- رحمه الله-:إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثماً مِن ذنبه وأشدُّ مِن معصيته."
قال الإمام ابن القيم- رحمه الله: من ضحك من النَّاس ضُحك مِنْهُ وَمن عير أَخَاهُ بِعَمَل ابْتُلِيَ بِهِ وَلَا بُد."
عن عَمْرو بْن شُرَحْبِيلَ رحمه الله: قال- لَوْ عَيَّرْتُ رَجُلًا بِرَضَاعِ الْغَنَمِ؛ لَخَشِيتُ أَنْ أرضعها.
وقال الحسن البصري- رحمه الله-: مَن عَيّرَ أخاهُ بِذَنْبٍ قد تابَ إلى الله منهُ، ابْتَلاهُ الله عزّ وجلّ بِه."
قال الإمام ابن عثيمين- رحمه الله:وكم من إنسانٍ أذنبَ ذنباً ثم تذكر واستغفر، وصارَ بعد التوبةِ خيراً منهُ قبلها."
ولقد اجتمع الإمام الكسائي عالم القراءات المشهور والإمام اليزيدي عند هارون الرشيد فحضرت الصلاة فقدموا الكسائي وهو أحد القراء السبعة فصلى بهم المغرب فارتج عليه أي أخطأ أو نسي في الحفظ في قراءة سورة {قل يا أيها الكافرون} فلما سلم من الصلاة قال اليزيدي: ما هذا؟ قارئ وإمام أهل الكوفة يخطئ وينسى ويُرتج عليه في سورة الكافرون!
فحضرت صلاة العشاء فتقدم اليزيدي فصلى بهم فارتج عليه وأخطأ ونسي في سورة الفاتحة فلما سلم قال له الكسائي: إحفظ لسانك لا تقول فتبتلى إن البلاء موكل بالمنطق."
فنعوذ بالله من التنمر وعاقبته ونسأله سبحانه أن يهدينا إلى ما يحبه ويرضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه.